البعض بمجرد سماع كلمة ” رهبنه” تندفع الافكار والأساطير الي دهنه ربما ينساق وراء شائعات او اكاذيب ، وربما يكون يعلم جيدا ماهي الرهبنة .

جزء من مقال أرشيفي للرد على بعض الإدعاءات عن #الرهبنه

-1-

اعطى الكتاب المقدس رتبة الرهبنة والتبتل مكانه مميزة في سفر الرؤيا الرمزي حين يقول اصحاح 14 ” وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنِيمَةَ إِّلاَّ الْمِئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفًا الَّذِينَ اشْتُرُوا مِنَ الأَرْضِ.

4 هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أبكار “

وعبارة لم يتنجسوا مع النساء هي في اليونانية “بارثينوس” تعني حرفيا ” التبتل” و “البتولية” التي هي من أعمدة الرهبنة الاساسية.

والكلام هنا في غاية الوضوح، ويظهر امتياز البتولية إذ يظهرهم أنهم ملازمون للمسيح يتبعونه أينما ذهب، وينفردون بترنيمة لم يستطع أحد لا أن يرددها فقط، بل ولا حتى أن يتعلمها… أما السبب الوارد في النص السابق فهو لأنهم “لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار”، وفي الطبعة البيروتية للإنجيل تقرا لفظة أطهار بدل “أبكار ، اي لأنهم رهبانا

وفي تفسير القمص تادرس يعقوب يقول :

” من هم هؤلاء الملتفون حول الحمل؟ يرى بعض آباء الكنيسة الأولى[109] أنهم جماعة الأبكار الذين خصوا أنفسهم من أجل الملكوت، مقدمين بالرب يسوع البتول حياة البتولية السمائية.

وهنا يكشف ربنا للكنيسة في وسط ضيقتها بسبب ضد المسيح عن هؤلاء الأبكار الذين ينعمون بهذا المجد حتى تطمئن نفوس المتألمين أن الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة. هذا ولا ننسى أن الكنيسة كلها تدعى “كنيسة أبكار” (عب 12: 23)، لأن من لا ينعم ببتولية الجسد أو بكوريته مع بتولية النفس لا يحرم من كونه بكرًا، بسبب ارتباطه واتحاده بالرب البكر، كعضوٍ حيٍ في جسده.

إننا جميعًا، بتوليين أو متزوجين، أعضاء حيَّة في جسد الرب رأسنا السري، لهذا نوجد قدامه أبكارًا وأطهارًا وبلا عيب في نظره وليس فينا غش. “

ربما لا يعرف الكثيرين أن اول دير راهبات مسيحيات ان جاز أن نطلق عليه تعبير (دير) كان برئاسة السيدة العذراء مريم بعد صعود المسيح في احد بيوت اورشليم كما يكشف لنا التقليد وبعض المصادر التاريخية ، وعاش عدد من تلاميذ المسيح حياة التبتل ، ويقال ان بنات “فيلبس” العذارى كانوا معها حيث كان لفيلبس أربع بنات عذارى يتنبأن (أع 21: 8 و9 )

بولس الرسول من الاهمين في تاريخ المسيحية تسلم من الرب فى الصحراء فى حياة الرهبنة. لذلك يقول معلمنا بولس الرسول “حَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً” (1كو7: 1)، لأن بولس الرسول بدأ حياته بثلاث سنوات فى الرهبنة قبل أن يبدأ رسوليته.

ويأتي الانبا انطونيوس فيكون حركة انتقال تاريخية في توسع الفكر الرهباني يعتبره العالم “أب الأسرة الرهبانية” ومؤسس الحركة الرهبانية في العالم كله بالرغم من وجود حركات رهبانية سابقة له، عكس ما ذكر المقال انه ظهرت للأنبا انطونيوس سيدات وتعرين ليعطي قصة الانبا انطونيوس تصور دجلي مشعوذ الا ان الحقيقة انه في أحد الأيام نزلت سيدة إلى النهر لتغسل رجليها هي وجواريها، وإذ حَول القديس نظره عنهن منتظرًا خروجهن بدأن في الاستحمام. ولما عاتبها على هذا التصرف، أجابته: “لو كنت راهبًا لسكنت البرية الداخلية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان وفي الحال ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية، وكان ذلك حوالي عام 285 م.

حدث ان سكن الشاب أنطونيوس بجوار النيل، وكان يقضي كل وقته في الصلوات بنسك شديد، لكن إذ هاجمته أفكار الملل والضجر صار يصرخ إلى الله ، لقد هرب انطونيوس من الملل بالصلاة الزائدة وهو ما جعل الله يرسل له ملاكا يعلمه الاعمال اليدويه ، لم يضجر انطونيوس من الله . بل الحق ان الشيطان ضجر وثار من كثرة صلاة انطونيوس لله حتى اثناء ملله من الوحدة كشعور انساني.

-2-

في طرح غريب يتناوله البعض وتحت عنوان بيزنس البركة يرى الكاتب أن الرهبان بأعمالهم اليدوية قام البعض بتحويل صلاته الي بيزنس يصب في جيوب الكهنه ورجال اعمال !!

والحقيقة أن اعمال الاديرة وما يدخل لها من مقابل للمنتجات يصب في تطوير المناطق المحيطة بالدير ، وان كانت نسبة كبيرة منه تصب في جيوب البعض فهذا البعض هو أخوة الرب من الفقراء والمعوزين وليس رجال الاعمال ، ان الانظمة الديرية القائمة منذ بدا تنظيم الحركة الرهبانية جعلت من أهداف الراهب رعاية المساكين وخدمة الفقراء لان ما يفعل بهم يفعل ايضا بالمسيح كما ذكر في الكتاب المقدس .

يقول نيافة الانبا بيشوي ” هناك راهبات يعملون أعمالاً يدوية، ونحن نعطى من عائد عملهن للفقراء. على سبيل المثال كثير من إيرادات الأعمال اليدوية للراهبات فى دير القديسة دميانة نعطيه للفقراء، دون أن تختلط الراهبات بالناس. فمن الممكن أن راهبة تتعب فى عملها وتفرح بذلك لأنها تعلم أن الإيراد سوف يكون لفتاة محتاجة تريد الزواج أو مريض يحتاج إلى علاج.

عندما عمل السيد المسيح معجزة الخمس خبزات والسمكتين بارك وأعطى للرسل والرسل أعطوا الجموع، لم يوزع السيد المسيح للناس شئ بيده.. لم ينزل إلى الشعب، بل أعطى الرسل والرسل أعطوا للناس.

العمل هو من الأركان الأساسية فى الرهبنة كما وضعها لنا الآباء الأولون فى الطريق الرسمى للرهبنة”

-3 –

أخيرا نقول أن الرهبنة هي سر قوة المسيحية ، ونقرأ ” إن سر قوة الكنيسة القبطية برغم كل الضغوط التي وقعت عليها على مر العصور هو حياة الرهبنة. لأن هناك من يصلون، فيجد الله مكانًا يرتاح فيه.

يقول المزمور “لاَ أُعْطِي وَسَنًا لِعَيْنَيَّ وَلاَ نَوْمًا لأَجْفَانِي. أَوْ أَجِدَ مَقَامًا لِلرَّبِّ مَسْكَنًا لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ” (مز132: 4، 5). يريد الله قلبًا ليستريح فيه.

الرهبنة ليست سلبية، بل بالعكس. نحن نحزن على الوقت الذي يضيع في الخدمة ولا يأتي بنتيجة. أو على الخدام الذين يتعبون أنفسهم أزيد من اللازم بأنشطة لا تثمر شيئًا لملكوت الله: خدمات اجتماعية، وحفلات، ورحلات… أين هي ثمار الملكوت الحقيقية؟ ” نيافة الأنبا بيشوي -كتاب كيف بدأت الرهبنة في المسيحية.

حيث دافعت الرهبنة خلال عمر المسيحية عن التراث المسيحي ضد الهرطقات والعبادات الوثنية ، عاش الرهبان الانجيل حياة حقيقة فحفظوه لنا باعمالهم ، قامت الرهبنة بحماية الايمان لأن السيد المسيح قال “أَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً” (مت 24: 24).

يحكي لنا بستان الرهبان عن شيخ أنه كان كثير الرحمة، فحدث جوع عظيم، ولكنه لم يتحول عن فعل الرحمة حتى فقد ما له، ولم يبق عنده سوى ثلاث خبزات، فعندما أراد أن يأكل أحب الله أن يمتحنه، وذلك بأن قرع سائل على بابه، فقال لنفسه جيد لى أن أكون جائعاً، ولا أرد أخ المسيح خائباً فى هذا الغلاء، فأخرج له خبزتين، وأبقى واحدة لنفسه وقام يصلى ثم جلس ليأكل، وإذ سائل آخر يقرع الباب، فضايقته الأفكار من أجل الجوع الذى كان يكابده داخله، ولكنه قفز بشهامة وأخذ الخبزة وأعطاها للسائل قائلاً: أنا أؤمن بالمسيح ربى أنى إذا أطعمت عبده فى مثل هذا الوقت الصعب، فإنه يطعمنى هو من خيراته التى لم ترها عين التى أعدها لصانعى إرادته… فجاءه صوت من السماء قائلاً له: لأجل أنك أكملت وصيتى وغفلت عن نفسك وأطعمت أخاك الجوعان، لا يكون فى أيامك غلاء على الأرض كلها.. ومن ذلك اليوم عم الرخاء الأرض كلها.

تذكروا .. أنه من صلوات الرهبان التي يقدمونها عن انفسهم وعنا طوال حياتهم صلاتهم لحفظ بلادنا .

دياكون ديسقوروس

Share this content:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *